الأربعاء، 7 نوفمبر 2012

تشرينٌ يعود



مُذكرات تشرين، أول من أمسكَ بيدي بعد وقوفٍ طال سكونهُ قبل عامين . .
و بما ان الذكرى مازالت تعود و ترفّ حول شبابيكٍ تأبى ألا تحتضنها احتضانًا يطول لليلةٍ، ليومينِ ، بل لشهرٍ يتشبثُ بإحيائها في قلبهِ كُل عام .. أظنّ أن هذهِ الليلة الأولى، ستفتحُ النافذة من جديد و من هذا المكان،

" في اليومِ الأول من تشرين عام 2011 ، وُلدت هذهِ المذكرات لتحكي عن عامٍ مضى، وُلدت بحروفٍ يتيمةٍ أُخذت بين يدينِ غريبتين و ارتمت في حضن من ليس منها، و بالرغم من ذلك أمسكها و دفئها و أخذ يُلقي في مسمعها تراتيل الأذان ..
( الله أكبر ) ، فلا ذعرٌ يصيبكِ من دُنيا ستجني عليكِ بالكثير .. ( الله أكبر )، إن لقيتي الحُزن استصغريهِ مهما يكُن كبير ..
يهمسُ آذانًا، و يتمتمُ قلبهُ بما علمتُهُ الحياة، و يرى عينانِ تنظُران، شفتانِ تبتسمان، حتى صارت البسمةَ مُخلدةً في ملامحها .

هبت رياحٌ تجرّ معها الكثير من السنين، و كبُرت حروفٌ مازال يُرى الجمالُ في مكمنها، مازالت كيومٍ وُلدت فيه، كشهر تشرين ، تحملُ في قلبها أملًا لم يزل ممهدًا دون أن يكبر، تشتاقُ لمن تنتظره ولم تدري بأن هناك من ينتظرهُا، في عينيها عالمٌ لا ينتهي، مُدنٌ هنالكِ و طُرقاتٍ كثيرًا ما أبلّها مطرُ ليلٍ طويل، شهدت أزقاتها عن كل حكايا الرحيل ..

كبُرت تلك الحروف أمام عيناي خجولةً تختبئُ بين الأوراقِ المُبعثرة و تحت وسائدِ الحنين، كبُرت و هي تتخذُ نافذتي محطةً لغيرِالانتظار، محطةً وُضعت كي تمر عليها الأيامُ بحبٍ و سلام ..

ففي الأيامِ  هُنالك من هُم متشابهون فتمضي بجانب النوافذِ المفتوحةَ و كأنها لم تكُ شيئا .. و منها من يقفُ ليلقي عليها السلام، فتعطيهِ النوافذ شيئًا مما يكمن خلفها ، فيذكُرها .. و تذكُره و تكتبهُ و تؤرخهُ بحبرٍ لا يزول ..

و من تلك الأيام كذلك من يقفُ أمامها ليشكو لها، رغمَ أنهُ لا يعرفُ من يسكنُ وراءها، لكنّها تنتزعُ أساهُ من صدرهِ ببلسمِ كلماتٍ كأنهُ كان لا يريدُ غيرها، فيرحل و قد حطّ على روحهِ الرضا و النسيان .

كبُرت صغيرتي و مازالت عصيةً على البوح، تتأرجحُ بين الفؤادِ و الروح، لهَا طقوسٌ مُنتظره، وأغانٍ يتغنّى بها الزمان ،ولكنّ القلمُ بها يحتار حين يحكي .. من أين يبتدئ و إلى أي كلمةٍ عليهِ أن يُفضي، و متى يكون معها الضحك، و متى ان رآها عليهِ أن يبكي ؟ "

. . . . . . . .  





"  و تمضي لياليكَ يا تشرين حتى تختمُك بالنون ....  نُونٌ ، خاتمةٌ من نورٍ يسطعُ في عينيّ في كل مرّة فلا أكادُ أرى ما الذي بعدُ سيأتي معك، و هل سأراني كما كنتُ في كل مرةٍ تأتي و معكَ قدرٌ كنتُ قد جهلتهُ .في كل تلك المرّات التي تُعلن فيهِ حضورك يا تشرين، فانك توقض فيَّ الكثير من الذكرى الجميلة، فأحبكَ أكثر ، و أهوى كل طقوس حضروكِ بجنونٍ أكثر، نسيمكَ،هدوءكَ، مواعيدُك ، و لقاءاتٌ لا تشتهي أن تكونَ إلا حين تحين! من بينها لقاءي الأول بهذهِ الحياة. "



انتهى .

السبت، 20 أكتوبر 2012

بِي تعبٌ ،



لا ليلٌ يهدأ ، و قلمٌ أهابهُ موقف قلبٍ بأن يبدأ ،
و لحنٌ يتأرجحُ بينَ الكلماتِ ليُدرك ما بوجداني 

ما الذي أوقفني بهذا الجمـودِ بين يـدي ورقـةٍ
لأسألها، ورقتي . . ماذا ترين بي؟ مما أعاني؟

و مغيـبُ الشمـسِ هذا الذي قد ارتسـم بيـن
مقلتيّ ، كيف أتى إليّ  . . و بلا فعل زمانِ ؟ 

إني لأكاد أسمع وشوشةً بين نجمةٍ و نجمة ،
و أكادُ ألمحُ قمرًا يتجسس بين تلك الاغصانِ 

أهيَ حكايةٌ سيـطولُ سـردُها و شـرحُهـا  ؟
و سأكتب عنها فصولًا و سنينًا لعمرٍ  فانِ 

فلم يُقضَ مشهدٌ، و لم تُسدل ستارةٌ و لكن ،
انكشف ضوءٌ نزع من الحياة فتنة الألوانِ

فأغمضتُ عينيّ عمّا أحببتُ باللهِ مستودعةً ،
لم أُطق تحليق طيورٍ لرؤيتها عيناي تعشقانِ 

و  سألتُ الله بعد كل هذا على الرضا قدرةً ،
و أن أظل أراني ، كما عشتُ كل العمر أراني 

 فإن تمرّد ذا الهوى اليتيمِ ليلةً ، أمسكتهُ
و كبّلتهُ و جعلت لهُ السطور كمخمليّ القضبانِ

يا ناشدًا عن قصةٍ لا ترتجي هيَ منكَ الإصغاء
 بقدر إهمالها ، و المُضي بعيدًا تحت طيّ نسيانِ

أتراكَ قد عجبت مثلي من سكون ليلٍ يُفسح
لنا السماء لننثر ما أضاقته الكلماتُ من معاني؟

و نعتَّ الزمان لما ألقاهُ فينا من حيرةٍ و خيبةٍ 
و قد علمتَ بأن الزمان تبرّأ من بني الإنسانِ ؟

إني لأعلم أني لستُ ممن يستكينُ لسطوة الهوى 
و لكن بي تعبٌ ، لو علمتَ من أي علةٍ قد أتاني 

 أراني بهِ امرأةً قد أشبعها الإدراك نضجًا ، 
أنكرت لضعفٍ يصيبُ قلبها كل دربٍ و عنوانِ 

أراني ابنةَ سيدةٍ لو قلتُ فيها ما ليس يكفيها ،
لفاضت بحور الشِّعر على الأرض و البـُلدانِ 

 أراني ابنة رجلٍ ، و حبيبتهُ ، نور عينيهِ اللتان
رأيت أحلامي بهما مصفوفةً كزهورِ  بستانِ

و غير ذلك لسـتُ أرى ، إلا أن الله قد أتـى
بقدرٍ أجهلُ خيرتهُ ، و لا أريدُ غيره قدرًا ثاني



الخميس، 6 سبتمبر 2012

أملٌ يا فيروز ؟






حطّ الحمام على نافذتي .. و غابت شمسُ شتاء ،
مُستوحشةً هدوء مدينةٍ أوشكت بأهلها للفناء

و صوتُ المذياع علا بالأغاني الوطنية و بعضٍ من أنباء،
تُأمّلُ بقدومِ حظٍ لربُما يسدُّ جوع الضعفاء

قلّبتُ المحطات لعلّي أجدُ صوتٌ يأتي بأخبارٍ
لهذي الأرض ،دونما يتخللها كناياتٌ تُقال باسم الولاء،
دون مقدماتٍ طويلةٍ عمياء !

و إذا بصوتِ سيدةً تنتمي للشوارع و الطرقات ،
تسكنُ بيوتًا و مقاهٍ ، تسكنُ ضحكة صبحٍ ..
و رائحة القهوة حين تتراقص على سكون المساء ..

جاء صوتُ فيروز محلّقًا قاصدًا مسمعي ..
و كأنهُ تجرّد من حُريتهِ ليُشاركني حدودُ هذي الورقة !
تُخبرني بأن الأمل ما زال مُنتظرًا ، ما زال على عهدهِ لنا بالوفاء!

فكتبتُ في أول السطر : إلى سَيدة هوَانا المُشرّد .. فَيرُوز ،
لو تعلمين ما هي حَبكة الأمل معنا! و كم من وجعٍ يغرسهُ
في قلوب من يتشبثون بهِ .. ليس إيمانًا به!
بل لأن لا شيء غيرهُ يوهمهُم بالبقاء

فنحنُ يا سيدتي لسنا كذاك الزهرالذي يُزهر على وجناتِ الحقول ,
نحنُ كزهراتٍ تنمو في الأزقّاتِ تطلُّ كل حينٍ
لتَرى ما يسقطُ من جيوبِ الغُرباء

فحين سقطت بقايا سيجارةً ذات فجرْ ،
قُلنا بأن ذاك شيخٌ أحرقتهُ همُومهُ . .
و حين سقط منديلها المبلل بدمعٍ لم يجف بعد ،
وجدانها أمًّا حزينةً غاب ابنها ، فأرّقها البكاء

و ذاك الغريبُ الذي نسي محبرتهُ ، كان كاتبًا وجدنا صورةً لهُ
على رأس مقالٍ في صحيفةٍ . . لا يقرئها إلا البؤساء

نحنُ من نقتاتُ على خبزٍ لا يُشاركهُ عسلٌ أو زبدة ،
لنا أفكارٌ ذاتُ أغصانٍ مُتشابكةٍ ، لا تضمأ إلا للقهوةِ المُرّةِ السوداء

أتعلمينَ كيفَ هو حالُ المجانينَ حين يُدروكون أي نكرةٌ هُم ؟
هُم ذاتهم المُحبّين للحياةِ. . حين رسمهم ضباب نوافذهم مُكبّلين ،
و خلف حظٍّ عابرٍ قُدّروا سُجناء !

لا يتذكرون ماضٍ . . و لايرسمون غد !
لا يعلّقون في ذاكرتهم سوى صوتكِ هذا المُرتمي على مسمعي
ليقول لي : "فيه أمل" ، أقول لكِ : نعم ثمةُ أملٌ
و إن نُسينا . . فلن ينسنى ربُّ السماء

فلو تعلمين . . . ماذا تودّين أن تعلمين ؟!
أأقول كيف تمرُّ على عُشّاقنا السّنين ؟
أم تلك اللهفة في أعُينهم كيف أغرقها الحَنين ؟

شاب بنا الحُب يا سيدتي ..
فكتب وصيتهُ على غُصنِ اقحوانٍ و أهدى زهراتهُ لفتيات الحيّ ، منها ما هو لكِ ..
يوصيكِ على حكاياهُ الجميلة .. ألا تكفّي عنها الغناء

. . .

أطفأتُ المذياع ، سئمًا من ثرثرتي اللامُشوقةَ للإستماع
فقد نام الحبرُ في قلمي ، و ذاب البدرُ على ضباب نافدتي ..
حَدْسي بأن النّرجس قد حَكى لهُ قصةً غررتهُ للبُكاء ..

. . ♫

الثلاثاء، 4 سبتمبر 2012

لا تكترث بما تأتي بهِ الرياح

اغمض عينيك يامن تغيبُ عني ولا تسأل ،
اغمض عينيك و نم بارتياح . . .
لا تكترث بما يتسلل نوافذ ماضينا من رياح ،
و لا بكلّ ما تعاهدنا ألا ننساه

لربما كانت كذبةً صغيرةً في بحر أخطائنا ،
أو فصلًا لا تكتملُ القصة بلاه!
فكم قلنا و قلنا ، وعدنا . . و نسينا
كم تغنينا بغدٍ . . كثيرًا ماجهلناه

و إن أتى الصبحُ . .
و كشفت لك السماء صورةً تُشبهننا ،
و لكننا فيها قريبين ، بلا غربةٍ تُفرقنا!
فلا تطل تحديقك بها ، سر و امضِ . .
لا تكترث بكل ما حلمنا برؤياه

أتذكرُ حين قالت لنا الجدة مريمُ
حديثًا طويلًا عن عواطفنا ،
و حين تعوذت بالله من هجرٍ
يُصيبُ قلبَينا ،
فيشيخُ بكل ما في جوفهِما دفنّاه

غابت حبيبتنا و لم تدري ،
بأننا مضينا بعيدًا بعيدا ،
عصيّانِ عن كل حكمةٍ قيلت لنا ،
و الجميل الذي قد رأتهَ فينا،
في حَينا القديم تركناه

فهُبي يا رياحُ و اجلبي معكِ
ما استطعتِ من لحنِ أغانينا ،
من رائحة مقهانا،
ذاك الي يركنُ على ساحلٍ غربيّ
شاهدًا على كل ماحكيناه

هُبي و اجلبي معكِ ضحكاتِنا ،
تلك التي أوقفت يومًا شيخًا
يبيعُ الصحف ، فودّ لو انه يبيعُ صورًا لنا!
ثم اجلبي بيتَ شعرٍ على لحنِ اغنيةٍ
كنا قد ترجلناه

اجلبينا ، و ضيعي بنا عن الحقيقةِ لوهلة
خذينا الى البدايات ،
حيث كان لقائنا معتقًا باللهفة ،
و ضَلّي بعيدًا عن النهايةِ ، ضَلّي عن هُنا ،
و عن كل ما خشيناهُ..ثم فعلناه

نم يا غائبًا و لا تكترث بما تأتي بهِ الرياح . .
و لا بكم خريفٍ قد مرّ بيننا و ناح
فكم من عيدٍ و عيد
أتيناه فوجدناهُ في سبات!
لم يدرك ما اقمناهُ بعد فجرهِ من صلاة ،
لم يأتنا بما انتظرناه

نمَ ، ففي النومِ نسيانًا يطول ،
تنسى فيهِ من أنت ، من نحنُ
في الكوكبِ المجهول . .
فيحلقُ هوانا المُشرّد عن هذه الحياة ..
الى ما وراء الحياة ،
فيهِ حُلمًا يحملُ لنا كل مارجوناه


الجمعة، 24 أغسطس 2012

دقّت ساعةُ الصّفرِ

في هذا الإنغماسِ المُتوازن بين الليل و حبل أفكاري ، و في هذا السكون اللاذعِ الذي يُخفي في طياتهِ صدىً طريدٍ بأسئلةٍ مؤجلة الأجوبة .. فكم مرةٍ جهلتُ و كم من مرةٍ خشيتُ جرأة تخميني للأقدارِ الآتية فاتقي ذاك الإحساس الذي يستوطن القلبَ مُلمحًا بأن قدرًا ما سيُدركني بعد ثوانٍ عدة .
أرى في صبحِ يومٍ أن الحلم قد أوشك اقتراب منالهِ في يديّ .. و في مساءِ ذاتِ اليوم قد تقطع طريقَ فرحتي و انبهاري بما خُيل لي كلمةٌ كالمرآة ؛ تكشف حقيقتي و حقيقة ما بين يدي و تحت قدماي .. فتحول بيني و بين ذاك الحُلمِ كسرابٍ متمرّدٍ لا يسئمُ من ايقاض خيبات الأمل في صدري .. قد أضيعُ حينها و أنسى كيف ابتدأت و كيف أوصلني الى موضعي شغفٌ قد بات على حِجرِ الحقيقة يحتضر ..

أي حالٍ صَوَرنا بهِ الحُلم حتى أبينا الرضا بأحوالٍ تنتمي في الحقيقة الى واقعنا ؟ و أي صورةٍ رسمتنا عليها أمنياتنا حتى وجدنا أن المرآة هي أكذب المخلوقاتِ في أعيننا ؟
قد أودع الله تعالى في قلوبنا ما يكفينا من حُب الحياة حتى نعيش بهناءٍ طوال العُمر ، و لكن القليل منّا من يؤمن بذلك ، فما بال من يُثمر هذا الحب ؟! و كأننا ننكرُ أصلنا و الطينِ الذي أُوجدنا منه ، بل وكأننا صرنا نشبهُ شياطينٍ لها أصلٌ من نارٍ لا تشبع ، كلما أُعطت كلما أرادت أكثر ! ألهذا الحدّ قد يصل بنا الطمعُ المُجرّد من حقيقتها ؟ أولسنا نحنُ بني البشر ، بني آدم الذي خُلق من طين الجنة ؟ فيفترضُ بنا أن نُثمر ذا الحُبِ للحياة الذي غُرس في أرواحنا .. فنُعطي و نُعطي الى حدّ النهاية ، نتشبع بالعطاءِ حتى تدق ساعة الصفرِ في ميلادنا ، و حينها قد نظنّ بأننا انتهينا .. و إذا بالعطاءِ قد صارت لهُ أرواحٍ باقية ، ذات عُمرٍ طويل .

هو ذا الحالُ الذي أخشى بألا أنتهي به .. فلا أدري أين يقعُ الصفرُ عن عقاربِ عُمري ، و لا أدري كم من حياةٍ سأُبقيها بعدي .. وَيْحي لو أن كل شيءٍ سينتهي معي ، ويْحي !
لربما ان دقت الساعة سأكونُ في سباتٍ يسرقني من كل شيء ، و لربما أكون في صحوتي و لكن الغفلة قد نامت في عيني ! و لربما سيُرسل الله لي ملكًا من السماءِ ليُلهمني بالأستعداد للمشهدِ الأخيرِ من الحياة ، يُلهمني بالإبتسامةِ التي تختمُ كل شيءٍ دون أن تفنى .. و لربما أكون حينها وحدي ، أسيرُ وحدي ، أو في غرفتي الباردة وحدي ، أو على سريري أمسكُ بمذكرتي و أكتبُ قصةً أراني فيها بعيدةً عن النهاية و ان كنتُ وحدي ! ، و لربما كنتُ في حشدِ الناس الذي يُنسيني ذاتي ، أو بين عائلتي ، صديقاتي ، و كل من أحب ، لستُ وحيدةً أراني ، فأغمضُ عينايَ على أجملِ صورةٍ أنعمها علي الإله في تلك الحياة ..
و قد يكون بين يديّ كتاب لا أعلمُ أي الكتبِ سيكون .. كم أتمنى لو كان المُصحف هو آخر كتابٍ أمسك به ، و قد أكون قد أعدتُ القهوة و لم أكملها ، أو ربما لم أحتسيها بعد ، و قد أكونُ ممسكةً بهاتفي ، و لم أقرأ بعدُ كل الرسائل التي وصلتني ، و ربما ممسكةً بيدٍ اطمئننتُ لها حتى بات قدري الأخير في حضنها .. و قد أكون .. سأكون كما شاء الله بأن أكون ..
فهي ساعةٌ آتيةٌ لا محالة ،
عسى الله أن يُجمّلني فيها بالختامِ الذي يرضى فيهِ عنّي ،
و عسى أن يُثمر حُبي للحياة التي لطالما دفئتهُ في قلبي ، حُبي لكل من لقّنوني ذاك المعنى الحقيقي لها بأبجديةٍ مُخلدةٍ في الذاكرةِ تحويها كل اللغات .
و إن قلّ العطاء .. و غاب بعدها الحضور .. فلا أرجو الا السماح ، الا الصلاة و الدعاء ..
الا ابتسامةٍ تحَيى و لو مَرّةً حين يحضرُ اسمٌ كان ينتمي اليّ .

و لكم منّي كل الشكرِ و الحُبِ و السّلام .

الثلاثاء، 3 يوليو 2012

كُل عامٍ و أنتِ ملاكي الصغير

قبل عامين .. و بالتحديد حين طلّت شمسُ تموز على بابي و لكن في مكانٍ غير هذا الذي أركنُ فيه الآن ،
كانت اول تدوينةٍ لي في هذه الصفحة ، أو بالأصح كان اولُ صبحٍ يشهدُ على تحليق طيورٍ حبستها لسنين .

لطالما كنتُ اميلُ للورق ذو الاطراف المزخرفة و المُزهرة في صغري و لطالما تمنيتُ ان أملأها بكلماتٍ متشابكة كالكلمات التي كان يكتبها والدي و لا افهمها .
أتذكرُ أول رسالةٍ كتبتها لمعلمتي في الابتدائية كنتُ أُنمقُ كلماتي فيها حيث أنهي بذاتِ الحرف كل سطر ، كالنصوص التي كنا نحفظها في كتابِ ( الأناشيد ) ، لم اعلم بأن تيكَ تُسمى قافية و ذاك يُسمّى شعر .
و كبرت معي الحروف و نضجت أمام عيني ، أراها يومًا ملاكًا معلقًا على السطور ، و أراها يومًا تتمردُ فتودّ لو تمزّقني و تحرق كل الاوراق التي حبستها فيها .

ففي الورقِ هناك أرضٌ بعيدة .. تنكرُ كل شيءٍ يمسّ الواقع ، هنالك خيالاتٌ شريدة تهرب ممن قيدوها و جعلوها تنتمي الى اللاإدراك لحقيقة الحياة ، هناكَ اللاإدراك فقد أفرطنا في الادراكِ حتى تتطايرت من أطرافنا الأماني و الأحلام .
أرضي يا صحبُ لا سماء لها ، لا أُفق يحدّها فإن حلقتُ اليها اعلمُ بأن لاشيء فيها سيُجبرني للعودة ، لا يجبرني للعودة الا ما هو ليس من هناك !
لها غيمٌ كثيف معتقٌ برائحة المطر ، يومًا تنهمر دون توقف و يوماً تشحُّ كي ترى في عيون الأحرفِ شوقًا ، و تسمعُ من القلمِ عزفًا حتى تتشكل كلماتٍ تتغنّى و تتغزلُ بها ، فتنهمرُ بخجلٍ من جديد و يكتسي الحرفُ بحلّة العيد ، فينبض كل شيءٌ بأملٍ لغدٍ سعيد .

كانت أولُ تدوينةٍ لي باسمِ " على زاويةِ الطّريق ". رغم بساطتها و لكن حملت لي الكثير بل لربما أنا من حمُّلتها مالا تُطيق .
أتذكرُ أيضًا حين امتلكتني الحيرة في تسمية هذه الصفحة ، فجعلتُ اسمي على رأسها ريثما أجد اسمًا يروقُ تلك الكلمات اكثر ، حتى أتى صبحُ يومٍ في مكانٍ ليس الذي وُلدت فيه هذهِ الصفحة ، ففي احدى محاضراتي كانت صديقةٌ جديدة تجلس بالقرب مني ، فلمحت هي شيئًا كنتُ قد افرغتُ تفكيرًا حينما نثرتهُ على أطراف مذكرتي ، فسألتني : أتكتبين ؟ قلتُ : ربما ..

لا أعلم ما الذي كان يجعلني لا أعترفُ دائمًا بانتماء تلك الكلماتِ لي ، ألأني كنتُ لا أؤمنُ بالفصحِ عن المشاعر؟ أم لأني في الحقيقة لستُ سوى رسولٍ يخطُ ما ينثرهُ وجدانه ؟
فلم أجعلها تنتمي اليّ بقولي ، رغم ايماني بأن من يتمسّك بكل شيءٍ بداخلهِ مما أودعهُ الله في روحهِ عليه ألا يجعلها تكمنُ هناك دونما يسعى في ايجادهِ أكثر و اظهاره باتزان ، فيوجد التفاؤل و الحب ، التسامح و النسيان ، الفرح و الرضا و الغفران ، و أن من يجدها و يُظهرها في مرآة ذاته كما يسعى أن تظهر في أعينِ أحبابه سوف يلقى الحياة ببسمة سعادةٍ تدوم .

و بعدما انقضى ذاك الصباح ، عدتُ الى البيتِ و فتحتُ هذهِ الصفحة و كتبتُ على رأسها بدلًا من اسمي " وشاءت كلماتي أن تحكي" ، فللكلماتِ حقٌ بأن تكتسي بالسكوت حينًا و بالبوحِ أحيانًا أخرى .

و هذهِ هي قصة لقائي بمدونتي .. فكل عامٍ و هي ملاكي الصغير .


* الثالث من تموز ٢٠١٢ - اسطنبول .

ضاع صوتي . . .

ألا يا طريقًا ما أدركت عيناي مداهُ
فلا أدري كيف ابتدءتهُ
وبأي حينٍ سألقى منتهاهُ ..
أ هو الآن ؟ أم بعد حينٍ يطول ؟

و ألا يا دروبًا تطايرت من طريقي
و أخذت معها
ما هو منّي ..
انتزعت أصواتَ خُطىً اطمئن لها قلبي ..
و زرعت مكانها للحنين حقول

صرتُ في ذاك الطريقِ
أمشي على خفيٍّ !
أخشى هُبوب الرياح من
جانب الوادي ..
فينكشفُ حينها كهلًا حول نار شوقي يجُول


أخشى طيرًا يأخذ برؤياي للشمس
على حينِ غفلةٍ يغفو بها الضُحى
في عيني ..
فتنكشفُ كلماتٌ مكثتُ العمر أعدُّ لها قوتًا
لكلّ الفصول !

و أخشى بأن يتمايل ظلّي
من خشيتي
بعدما كان يُسابقني بخطىً ثابتةً ..
و بعزةٍ !
و كأنهُ ينتسبُ لملكة وطنٍ مجهول

ألا يا طريقًا أراهُ بلا وطن
تسكنهُ غربةٌ ..
تهواهُ غيمةٌ .. من حُزن
يروقُ لها مشرقَ بسمةٍ على ثغرهِ
لتباتغتهُ بالنزول


علّمني يا طريقُ كما علّمتني السماء ..
أن لا نهاية للأشياء ..
حين نتمسكُ بها ..
و أن الهوى و إن كان لعبةً
فهو لغةٌ .. عن بني البشر لن تزول

علّمني حين تتمسّك أنتَ بخطاي
و ظلالي ..
أن أتشبثَ أنا ببقاءي و اتزاني ،
بأهازيجِ أملٍ يسكنُ وجداني ..
و قُل للغيمة الطائشة لا أرضٌ هنا
لمطركِ المُلمّحَ بالهطُول


هنا أرضٌ للياسمين و الزنابق ..
هواءها حُر .. لا مكان فيهِ لسُلطة البيارق !
قُل لها أن لا ماء هُنا .. بل حبرٌ
يُسقي القلوب حُبًا ..
قُل لها..فصوتي يُضمي الكثير مما أقول


ألا يا طريقًا ... أحببتهُ
بكل السكون الذي يتخلل ليلهِ ..
و كل جنونِ هوىً يعتريهِ
خُذني إلى مولدِ فرحةٍ
و أوقف خطاي بعدها .. مُعلنًا الوصول

خُذني إلى ذاتي حين تضيعُ منّي
كحين يضيعُ صبري ،
و بصيرتي ..
و أمسك بيديّ كجذع صنوبرٍ متمسّكٍ
بغضنٍ أغرقتهُ السيول

خُذني إلى عناقٍ يختمُ القصةَ ،
إلى فراقٍ لمراسمِ الغربة !
و قل لطيورٍ رافقتنا
طيري فالضائع الذي كان هُنا
قد وجدتهُ مقتول !

قتلهُ حبّهُ للحياة ،
حتى غاب في سُبات ..

قُل لها : طيري بعيدًا ،
و تربّعي على عرش سحابة صيف
فليس في أثر ضائعٍ كان بالأمسِ هُنا ..
ما يستحقُ النُزول


الاثنين، 14 مايو 2012

على وتيرةِ مطر




على و تيرة مَطـر .. و صوتٌ على الذاكرة قد عبر ..
يُقبلُ مهرولًا يُنادي : جاء مطر ، جاء مطر !

فشُرّعت لهُ أبواب القلب .. و فُرشت له غيومًا سخيّـةً ..
تنبذُ شتاتها فتبكي .. لعلها تجد للغائب أثـر

لعّلها تطفئ حنينًا و توقفُ ذاك الذي يدقُّ عودَهُ
ليُرقص لحناً حزينًا .. و لعلّها تجمعنا على طيبِ السّمر

فكما أنتِ ابقِ ياغيمةً لها تنهيدةً يعلو صداها في صدري ..
قريبةً بعيدةً .. تُعطي بحجم كل ما قد خُسر

تعُلّقُ حُزنها و عتابها على أطراف السماء السابعة ..
لا شمس تكشفهُ .. و لا يضيءُ على ليلهِ قمر

ابقِ كما أنتِ .. حيثُ يروقُ لكِ الحُلم حين نرتبُ معًا مواعيدُه ..
نغني لقدومهِ .. حتى يطول بنا السهر

يا غيمةً .. لم أعد أطيقُ مزيدًا من الفقد فلا تغيبي ..
أريدُك حيثما انتِ .. وان كان يحول بيننـا ألفُ متر

أٌراكِ أسمعك ، أناجيكِ و أكتبُ لكِ .. أقرأ لكِ ما يطيب
سماعهُ من قصائدٍ ..و مما أحببته من جميلِ الشِعر

فمالِ أرى في عينيكِ كلماتٍ شريدة ؟ لستِ بسعيدة ..
منذا الذي يسعد بحالهِ وهو على ضفاف أملٍ مُنتظَر ؟

فلا تخشيّ سرمديّة زماننا .. لنا بأمانينا لقاء .. و لنا
بسعادةٍ لا تسع أرضًا و لا سماء .. لنا ربٌّ جميلٌ رحيمٌ مُقتدر






الجمعة، 10 فبراير 2012

لو أننا لم نلتقِ ؟


لو أننا لم نلتقِ ، و الطريقُ الذي جمعنا ماخُلق
و القلبُ ذاك المنسيُّ ظلّ بهواهُ يحترق

و الفجرُ .. و البدرُ ، و الشجر
و كُلَّ ما كان ونيسَهُ
بقيِ كغيمةٍ تمسحُ من عينيهِ دمعَ الأرق

و تلكَ النّجوى ظلّت على حالها ،
حكايتهُ التي خبئها ..
كطيرٍ يرفُّ على سطورِ الورق

لو أن قدر اللقاءِ يا صاحبي
بدربِ عمرنا ما لَحِق
فمضينا بجانب بعضنا ، و تلامسا كتفانا
و كأن لا شيء سيجمعُ بيننا ..
و الحقيقةُ ، أن كلينا لكلينا قد خُلق !

فلم ندري ،
بأن أرواحنا لم تكن إلا روحٌ واحدة
قد قسمها ربّ كل حكمةٍ ،
رب كل الناس و رب الفلق

و لم ندري أن ما عشناهُ
لم يكن الا نصف حياة ،
عشناها بنصفِ سعادةٍ ، بنصف أمنيةٍ و بنصف أمل ،
أُكملت بالرجاء تارةً ، وتارةً بألمٍ وقلق

لو أننا لم نلتقِ يا صاحبي
لما ارتوى لحلمٍ يجمعنا الرمق
و لا تعلّم قلبي أبجدية الهوى ،
ثم تهجّاها .. و بها نطق !

فغدا شاعرًا .. يزرعُ حروفَه
فتزهرُ قصائدًا
على أغصان الياسمينِ و الحبق

لما رسمتني عيناكَ في حكاياتٍ ترويها كل ليلةٍ
فصارت لي و طنًا ،
لا يتعدّى بي عن حدود الحدق . .

و حينها أتمنى بألا تنقضي حكايتك ..
و لكنّها تنقضي بصوت همسك
ب " يا صاحبي لن نفترق " ،

فأسألك و قد هام بلحظتهِ الوجدانُ
و بالسعادة قد سُقي حتى غرق . .

ماذا كان يا صاحبي ، لو أننا لم نلتقِ ؟
و ظلّت أرواحنا من كأسِ الصبر تستقي ،
و أهوائنا هي ما نخافهُ و من حُرقتها نتقي ،
و صوت الشكوى بنا ظلّ يأبى أن يعلو أو يرتقي ؟!

حتى ينتهي بنا العُمر ..
و كلانا لم يجد ذاتهُ !
و كلانا . .

لم يسأل  : لو أننا لم نلتقِ ؟ 

الاثنين، 16 يناير 2012

على مرفأ عمر























مرَّ بجانبي .. أخذ كمانهُ و مكانه .. و أطلقها من بين يديهِ فحلّقت في سماءٍ لا تدركها نهاية
وطار ذاك اللحن الحزين .. ذاك الذي لطالما حُبس وراء قُضبان من أوتارِ كمانٍ عتيق ..
عمّ الهدوء .. والسكون حينها أخذ ينصت ..
أهو حلمٌ أم حقيقة .. ؟ أخذتُ أهجسُ في نفسي .. أعرف ذاك اللحن .. لربما سمعتُه في حلمٍ ما أو لربما  قرأتهُ .. و شاهدتُ مراقصته للأمل و الخوفِ في سكونٍ ما يشبه هذا السكون ..
و لكن لم الآن يعزفها ؟ في هذا الزمان تحديدًا .. و في هذا المكان حيث أنا الآن .. على مرفأ عمرٍ لم أزل أمكثُ فيه .. لم أزل أبصر و أنظر .. أقرأ و أنصت .. و حين أتحدث .. يسبقني قلمٌ يستقي حبرهُ من محيطٍ أجهلُ مداه .. أجهلُ كم من عالمٍ تتسع ذراعاه ..
فالحال هو الحال .. حيث كان من أول يومٍ عرفته ،
سفينةٌ تأوي .. و سفينةٌ تأتي .. في مثل هذا الوقت دائمًا .. لا تخطئ أبدًا

فهاهي قد أقبلت .. ألمحُ أشرعها تلوح و تقربُ نحو مرفئِنا .. أتت على موعدها كعادتها
و هناك .. بالجانب الآخر .. أرى أختٌ لها تشدُ رحالها .. و لكن قد بدا عليها شيئًا من عجزٍ أو ربما تثاقلت ما كان على منكبها ....

أيُّ سفينةٍ تقوى كل ما كان في هذا العام .. هذا الذي تثاقلته الأيام .. رغم انه أمسك بيدي كثيرًا من أحلام .!
قد بدأ بكانون .. و انتهى أيضًا بكانون .. و لكن لم يكن كأي عام
فقد أعطانا درسًا عنوانه " إن قلتَ لن يكن .. فسيكون "  ،  و خلاصته " لن تخيب في المؤمن الظنون " ..
عامٌ قصّ لي الحكاية بالصوت و الصورة .. حتى عجزت أن أجد أي حروفٍ أستطيع بها نثر الحكاية يومًا ما

عامٌ سجل حرفًا جديدًا في الأبجدية .. سجل ( حاءٌ ) و لكن من نطق بها لم يعنِ إلا الحرية !
حاءٌ .. حياة .. قد ولدت ..و ضاعت بين كانون ( تونس ) و بين حزيران ( حماة )
راءٌ .. رمت بكل ما كان يشكّلها و يحتكرُها لأزمن .. فصارت بلا ضمٍ بلا كسرٍ بلا فتحٍ بلا سكون ..
ياءٌ .. لم تعد تهوى النداء , و ان نادت .. فنداءٌ يعلو بحقٍ .. لم يُنسَ بعد
تاءٌ .. مؤنثةٌ اختبئت طويلًا تحت نقطتيها .. و في هذا العام رمت بتلك النقاط و نادت لأبيها و أخيها و ابنها
و أخذت تنقش كل ليلةٍ في مذكرتها .. " و مازال للقصة روية .. "

أيُ عامٍ شهد له التاريخ .. بأفعال أعوامٍ مديدة
هذا الذي أوشك أن ينتهي بأصوات جموعٍ تهتف للحياة
بصوتِ كمانه ذاك الذي أثار قلمًا .. رسم صورةً .. نثر رائحةً .. راقص ألمًا و أملاً
قد أعلنت شمسٌ شهدت على كل ماكان غيابها
و ما زالت تلك السفينة في مكانها
أ تراها ستحمل كل ذاك على منكبيها .. ثم ترحل ؟

٣٠ كانون الأول - ٢٠١١