الثلاثاء، 3 يوليو 2012

كُل عامٍ و أنتِ ملاكي الصغير

قبل عامين .. و بالتحديد حين طلّت شمسُ تموز على بابي و لكن في مكانٍ غير هذا الذي أركنُ فيه الآن ،
كانت اول تدوينةٍ لي في هذه الصفحة ، أو بالأصح كان اولُ صبحٍ يشهدُ على تحليق طيورٍ حبستها لسنين .

لطالما كنتُ اميلُ للورق ذو الاطراف المزخرفة و المُزهرة في صغري و لطالما تمنيتُ ان أملأها بكلماتٍ متشابكة كالكلمات التي كان يكتبها والدي و لا افهمها .
أتذكرُ أول رسالةٍ كتبتها لمعلمتي في الابتدائية كنتُ أُنمقُ كلماتي فيها حيث أنهي بذاتِ الحرف كل سطر ، كالنصوص التي كنا نحفظها في كتابِ ( الأناشيد ) ، لم اعلم بأن تيكَ تُسمى قافية و ذاك يُسمّى شعر .
و كبرت معي الحروف و نضجت أمام عيني ، أراها يومًا ملاكًا معلقًا على السطور ، و أراها يومًا تتمردُ فتودّ لو تمزّقني و تحرق كل الاوراق التي حبستها فيها .

ففي الورقِ هناك أرضٌ بعيدة .. تنكرُ كل شيءٍ يمسّ الواقع ، هنالك خيالاتٌ شريدة تهرب ممن قيدوها و جعلوها تنتمي الى اللاإدراك لحقيقة الحياة ، هناكَ اللاإدراك فقد أفرطنا في الادراكِ حتى تتطايرت من أطرافنا الأماني و الأحلام .
أرضي يا صحبُ لا سماء لها ، لا أُفق يحدّها فإن حلقتُ اليها اعلمُ بأن لاشيء فيها سيُجبرني للعودة ، لا يجبرني للعودة الا ما هو ليس من هناك !
لها غيمٌ كثيف معتقٌ برائحة المطر ، يومًا تنهمر دون توقف و يوماً تشحُّ كي ترى في عيون الأحرفِ شوقًا ، و تسمعُ من القلمِ عزفًا حتى تتشكل كلماتٍ تتغنّى و تتغزلُ بها ، فتنهمرُ بخجلٍ من جديد و يكتسي الحرفُ بحلّة العيد ، فينبض كل شيءٌ بأملٍ لغدٍ سعيد .

كانت أولُ تدوينةٍ لي باسمِ " على زاويةِ الطّريق ". رغم بساطتها و لكن حملت لي الكثير بل لربما أنا من حمُّلتها مالا تُطيق .
أتذكرُ أيضًا حين امتلكتني الحيرة في تسمية هذه الصفحة ، فجعلتُ اسمي على رأسها ريثما أجد اسمًا يروقُ تلك الكلمات اكثر ، حتى أتى صبحُ يومٍ في مكانٍ ليس الذي وُلدت فيه هذهِ الصفحة ، ففي احدى محاضراتي كانت صديقةٌ جديدة تجلس بالقرب مني ، فلمحت هي شيئًا كنتُ قد افرغتُ تفكيرًا حينما نثرتهُ على أطراف مذكرتي ، فسألتني : أتكتبين ؟ قلتُ : ربما ..

لا أعلم ما الذي كان يجعلني لا أعترفُ دائمًا بانتماء تلك الكلماتِ لي ، ألأني كنتُ لا أؤمنُ بالفصحِ عن المشاعر؟ أم لأني في الحقيقة لستُ سوى رسولٍ يخطُ ما ينثرهُ وجدانه ؟
فلم أجعلها تنتمي اليّ بقولي ، رغم ايماني بأن من يتمسّك بكل شيءٍ بداخلهِ مما أودعهُ الله في روحهِ عليه ألا يجعلها تكمنُ هناك دونما يسعى في ايجادهِ أكثر و اظهاره باتزان ، فيوجد التفاؤل و الحب ، التسامح و النسيان ، الفرح و الرضا و الغفران ، و أن من يجدها و يُظهرها في مرآة ذاته كما يسعى أن تظهر في أعينِ أحبابه سوف يلقى الحياة ببسمة سعادةٍ تدوم .

و بعدما انقضى ذاك الصباح ، عدتُ الى البيتِ و فتحتُ هذهِ الصفحة و كتبتُ على رأسها بدلًا من اسمي " وشاءت كلماتي أن تحكي" ، فللكلماتِ حقٌ بأن تكتسي بالسكوت حينًا و بالبوحِ أحيانًا أخرى .

و هذهِ هي قصة لقائي بمدونتي .. فكل عامٍ و هي ملاكي الصغير .


* الثالث من تموز ٢٠١٢ - اسطنبول .

هناك تعليقان (2):

  1. أدام الله هذا القلم و جماله () ، و كل عام و مدونتك الرائعة بخير ^^

    ردحذف
  2. و أدامكِ بالقرب لها، و انتِ بخير دومًا

    ردحذف