الاثنين، 16 يناير 2012

على مرفأ عمر























مرَّ بجانبي .. أخذ كمانهُ و مكانه .. و أطلقها من بين يديهِ فحلّقت في سماءٍ لا تدركها نهاية
وطار ذاك اللحن الحزين .. ذاك الذي لطالما حُبس وراء قُضبان من أوتارِ كمانٍ عتيق ..
عمّ الهدوء .. والسكون حينها أخذ ينصت ..
أهو حلمٌ أم حقيقة .. ؟ أخذتُ أهجسُ في نفسي .. أعرف ذاك اللحن .. لربما سمعتُه في حلمٍ ما أو لربما  قرأتهُ .. و شاهدتُ مراقصته للأمل و الخوفِ في سكونٍ ما يشبه هذا السكون ..
و لكن لم الآن يعزفها ؟ في هذا الزمان تحديدًا .. و في هذا المكان حيث أنا الآن .. على مرفأ عمرٍ لم أزل أمكثُ فيه .. لم أزل أبصر و أنظر .. أقرأ و أنصت .. و حين أتحدث .. يسبقني قلمٌ يستقي حبرهُ من محيطٍ أجهلُ مداه .. أجهلُ كم من عالمٍ تتسع ذراعاه ..
فالحال هو الحال .. حيث كان من أول يومٍ عرفته ،
سفينةٌ تأوي .. و سفينةٌ تأتي .. في مثل هذا الوقت دائمًا .. لا تخطئ أبدًا

فهاهي قد أقبلت .. ألمحُ أشرعها تلوح و تقربُ نحو مرفئِنا .. أتت على موعدها كعادتها
و هناك .. بالجانب الآخر .. أرى أختٌ لها تشدُ رحالها .. و لكن قد بدا عليها شيئًا من عجزٍ أو ربما تثاقلت ما كان على منكبها ....

أيُّ سفينةٍ تقوى كل ما كان في هذا العام .. هذا الذي تثاقلته الأيام .. رغم انه أمسك بيدي كثيرًا من أحلام .!
قد بدأ بكانون .. و انتهى أيضًا بكانون .. و لكن لم يكن كأي عام
فقد أعطانا درسًا عنوانه " إن قلتَ لن يكن .. فسيكون "  ،  و خلاصته " لن تخيب في المؤمن الظنون " ..
عامٌ قصّ لي الحكاية بالصوت و الصورة .. حتى عجزت أن أجد أي حروفٍ أستطيع بها نثر الحكاية يومًا ما

عامٌ سجل حرفًا جديدًا في الأبجدية .. سجل ( حاءٌ ) و لكن من نطق بها لم يعنِ إلا الحرية !
حاءٌ .. حياة .. قد ولدت ..و ضاعت بين كانون ( تونس ) و بين حزيران ( حماة )
راءٌ .. رمت بكل ما كان يشكّلها و يحتكرُها لأزمن .. فصارت بلا ضمٍ بلا كسرٍ بلا فتحٍ بلا سكون ..
ياءٌ .. لم تعد تهوى النداء , و ان نادت .. فنداءٌ يعلو بحقٍ .. لم يُنسَ بعد
تاءٌ .. مؤنثةٌ اختبئت طويلًا تحت نقطتيها .. و في هذا العام رمت بتلك النقاط و نادت لأبيها و أخيها و ابنها
و أخذت تنقش كل ليلةٍ في مذكرتها .. " و مازال للقصة روية .. "

أيُ عامٍ شهد له التاريخ .. بأفعال أعوامٍ مديدة
هذا الذي أوشك أن ينتهي بأصوات جموعٍ تهتف للحياة
بصوتِ كمانه ذاك الذي أثار قلمًا .. رسم صورةً .. نثر رائحةً .. راقص ألمًا و أملاً
قد أعلنت شمسٌ شهدت على كل ماكان غيابها
و ما زالت تلك السفينة في مكانها
أ تراها ستحمل كل ذاك على منكبيها .. ثم ترحل ؟

٣٠ كانون الأول - ٢٠١١