الجمعة، 1 نوفمبر 2013

في غياباتِ الجُبْ



حنيني لم يمُت بعد، و هُناك في عُمقٍ من الروحِ جُبٌ غياباتهُ تُخفي ابتسامةً بالدّمع قد ابتلَّت، يقينًا بعطفِ أيدٍ أخذت ما أخذت، و شوقًا بأن يُردّ اللقاء في أوجِ فرحةٍ تُنسيني مرارةَ الغياب، كان كل شيءٍ بحدّ ذاتهِ كنقرةٍ على نافذة ذاكرتي، و الوقتُ كان عميقًا حيثُ عبرت بي ثلاث سنوات بدقيقتين وددتُ لو في وسعي أن أمسكها و أعيدُ تبادل خيوطَ العيش معها، أحيكها ثم أغرزُ خيوطًا أخرى تُشكلُ زهرةً زرقاء اللونِ كسماء اتسعت في صُبحِ لقاءِنا الأول، و لكن الأضداد تكاثرت في عقلي و الشعور بقيَ واقفًا فوق أعلى أسقفِ اللاإدراك لعلّ نسيمَ قولٍ يأتي و ينفي كل ما كان يحدُث.

                                                              * * * * *


 لطالما كنتُ أقنع ذاتي بأنّي على أُهبة الإستعدادِ لأي نهايةٍ أيًا كانت آخر الكلمات التي كُتبت فيما سبقها من سطور، و لطالما قلتُ لذاتي أن قلبي ليس مُعلّقًا بمعبر، بل إنّهُ يؤمنُ بنهاية العبور إيمانًا أكبر، و إن كان كثيرًا ما يشرُد عند محطّات الذكرى و الزمان، إلا أنّه يكونُ في أوجِ صحوتهِ حين يلاقي كل ما يتشكل منهُ حاضره ..  
فلم ألقَ ما يرثُ الردّ على قولي غير صفعةٍ من نهايةٍ ترمي الصوت على مسمعي، تسخرُ بي لأن الزمان سبق إستعدادي لها في تلك الحكاية . . فوقفتُ في مكاني، و نفسي وقفتْ أمامي،  بملامح أمقتُ أن أراها و أن أُقرّ ما تعنيه، و توغّلت عيناي في عينيّ و لا أدري أيهما كذّبت الأخرى أهي عيناي التي أرى بها .. أم عيناي التي تراني! كلاهما كذّباني تستجيرانِ بألا أُطيلَ الصمتَ و الوقوف، حتى أجهشتُ بالبكاء .. بصوتٍ يختنقُ كي لا يُسمع، بكيتُ عتبًا لاغتراري بقدرتي على التصديقِ من اللحظة الأولى، عتبًا على قلبي كيف أنّه خذلني حينَ نامَ على وثيرِ أحلامهِ و تركني وحدي هناك.               
      
                                                              * * * * *


 الفقدُ لم أكُن لأتذكر أنه هو ما أصابني، الفراغُ لم أكن لألتمسَ أنّهُ قد اتسع، و لا حتى الكتابة لم أرها حين ارتمت على  نوافذي و أبوابي تناديني تودّ لو في وسعها أن أأذن لها و أرمي كل مابي عليها، أخذتُ أفتش عن الصور القديمة كمتعثرٍ سقط و هو يُفتش عن ضالةٍ يعلمُ كل العلم أنّها ستُسقطهُ بقوةٍ أكبر، أخذتُ أقرأ آخر الرسائل، أُحدق في الكلمات  .. ليست هي آخرُ ما قرأت، تغيرت حروفها، تغيرت ألوانها، تنبثقُ منها رائحةً تفوقها بلاغةً  تعلن الغياب الطويل، تُعلن الرحيل. لا أذكرُ أي نوعٍ من الوجعِ ذاك، و لكن أذكرُ كيفَ كان جسدي يعصيني برعشةٍ لا أشعرُ بها بيديّ ولا بساقيّ، لا أدري أهي الحمّى التي تحدثتُ عنها عندما أصابتني قبل سنوات؟ و لكن كان جسدي أضعف! كان جسدي أصغر! أو أن علي أن أُفصح لذاتي و للمرة الأولى أنني في لحظة وصولي لبابٍ خلتُ على عتباتهِ نُضجي وامتداد أيادي الحياة لي، فُتحَ لُيريني مرآةً تعكسُ صورةَ طفلةٍ لم تزل لا تستطيعُ أن تخفي الدمع بعينيها، لا تدري ما الذي يُبكيها غير أنها تخافُ أن تكونَ وحيدة .

                                                              * * * * *

 مَرّت أيام، أعودُ لإدراكي تارةً فأدعوا الله بأن يسكب عليّ من لُطفهِ السخيّ، و أفتّش في الذكرى تارةً أخرى .. فأبتسم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق