الاثنين، 9 سبتمبر 2013

لغة، لا لغة الكلام

تضيع اللغة و أخالُ أن الكثير من المعاني تتطاير نحو أرضِ ضياعها حيثُ لا شيءَ يُسترد من هناك، كنتُ أعلم أن في كل طور من العُمر هناك حرفةٌ جديدة لابد من تعلمها، و من ثم تمّرسها حتى يدوم شيءٌ من هناء العيش على تلك الطرق المتشبعة بالكثير من الأحلام و الرغبات، من النوايا و الغايات،  و من جلٍّ مما لا يُرى لحكمةٍ تحفظ لقلوبنا الحياة، و إني أرى الرغبة في تعلمِ أي حرفة تفوق صعوبةً على بشريتنا من المضي فيها و التماسها باليدين، كما يحدثُ لتقُبّلنا لواقعةَ أن الخيبة حين تُدرك الفؤاد الذي يسكُن فينا لابد لهُ من حرفةِ التخطي و التجاهل و المُضي دون التفاتٍ للوراء، و إن كانت لا تبدو بتلك السهولة و إن كنّا نعلمُ أننا سنتعثرُ مراراً و لكن نُريد بحد السواءِ أن نُري ذواتنا قبل كل أحد أن العيش سيهنى، و الألم سيفنى، و كثيرٍ من الأجمل سيُدركُ . . فقط إن فعلنا و مضينا.
 فأقول في داخل نفسي: سأمضي و كأن شيئًا لم يكُن، و كأن ما كان طواهُ و محاهُ الزمن، و سرعان ما ينتهي قولي و تسكتُ الكلمة، أراني أنظر لما كنتُ أزعمُ بأني لن أرى،  ثم أقول بصوتي: يا أيها الماضي العتيق، لم ينتهي بعدُ الطريق، لم أضيّع ما بين يديّ و لكن ما بين يديّ أراد بأن يضيع، و الرغبة أيها الماضي سطوةٌ أعلمُ كيف تُحدثُ بصاحبها، أعلمُ كيف ترسم خيالها على كل الجدرانِ حوله، كيف يمتدُ مداها للسماء، و كيف تصل للهمسِ بها في الصلوات و الدعاء، للرغبة خطوٌ يتسلل القلب بخفيةٍ و حينما تصل، تجدهُا استولت على كل ما تراهُ عينيك، و ما تودُ التماسهُ يديك، فللضائعِ رغبتهُ بالنهاية، بالنهاية الأولى حينما ضاع، و بالنهاية الأخرى حيث لن يُذكر شيءٌ منهُ بعد الآن، نُعطيهِ لرياحِ سترحلُ لبلدانٍ و بلدان، و تُسكنهُ في أجملِ قصور النسيان، و كأن ما كان لم يكن قد كان.
تضيعُ لغتي أنا لا لغةَ الكلام، بل إنها لغةٌ يحيرُ الصمتُ في وصفها، بليغةٌ بكل ماتكنُّ به الروح، فلا أعلمُ بضياعها على أي الجهتين يهوى رؤيتي ليلُ النيام، و لا أعلمُ أي الكتابةِ علي أن أعدّ لأغرر المعاني لا الكلمات بعودة ضالتي في دمسِ هذا الظلام، و أدرُك كثيرًا بأن حين ضياعها علي ألا أتخلّى، فلستُ أنا بالغياب قادرةٌ و ليست لغتي ممن للهجرِ يريد، و أدركُ أن الحرفة التي عليّ التماسها . .  السعي لما أريد.