حطّ الحمام على نافذتي .. و غابت شمسُ شتاء ،
مُستوحشةً هدوء مدينةٍ أوشكت بأهلها للفناء
و صوتُ المذياع علا بالأغاني الوطنية و بعضٍ من أنباء،
تُأمّلُ بقدومِ حظٍ لربُما يسدُّ جوع الضعفاء
قلّبتُ المحطات لعلّي أجدُ صوتٌ يأتي بأخبارٍ
لهذي الأرض ،دونما يتخللها كناياتٌ تُقال باسم الولاء،
دون مقدماتٍ طويلةٍ عمياء !
و إذا بصوتِ سيدةً تنتمي للشوارع و الطرقات ،
تسكنُ بيوتًا و مقاهٍ ، تسكنُ ضحكة صبحٍ ..
و رائحة القهوة حين تتراقص على سكون المساء ..
جاء صوتُ فيروز محلّقًا قاصدًا مسمعي ..
و كأنهُ تجرّد من حُريتهِ ليُشاركني حدودُ هذي الورقة !
تُخبرني بأن الأمل ما زال مُنتظرًا ، ما زال على عهدهِ لنا بالوفاء!
فكتبتُ في أول السطر : إلى سَيدة هوَانا المُشرّد .. فَيرُوز ،
لو تعلمين ما هي حَبكة الأمل معنا! و كم من وجعٍ يغرسهُ
في قلوب من يتشبثون بهِ .. ليس إيمانًا به!
بل لأن لا شيء غيرهُ يوهمهُم بالبقاء
فنحنُ يا سيدتي لسنا كذاك الزهرالذي يُزهر على وجناتِ الحقول ,
نحنُ كزهراتٍ تنمو في الأزقّاتِ تطلُّ كل حينٍ
لتَرى ما يسقطُ من جيوبِ الغُرباء
فحين سقطت بقايا سيجارةً ذات فجرْ ،
قُلنا بأن ذاك شيخٌ أحرقتهُ همُومهُ . .
و حين سقط منديلها المبلل بدمعٍ لم يجف بعد ،
وجدانها أمًّا حزينةً غاب ابنها ، فأرّقها البكاء
و ذاك الغريبُ الذي نسي محبرتهُ ، كان كاتبًا وجدنا صورةً لهُ
على رأس مقالٍ في صحيفةٍ . . لا يقرئها إلا البؤساء
نحنُ من نقتاتُ على خبزٍ لا يُشاركهُ عسلٌ أو زبدة ،
لنا أفكارٌ ذاتُ أغصانٍ مُتشابكةٍ ، لا تضمأ إلا للقهوةِ المُرّةِ السوداء
أتعلمينَ كيفَ هو حالُ المجانينَ حين يُدروكون أي نكرةٌ هُم ؟
هُم ذاتهم المُحبّين للحياةِ. . حين رسمهم ضباب نوافذهم مُكبّلين ،
و خلف حظٍّ عابرٍ قُدّروا سُجناء !
لا يتذكرون ماضٍ . . و لايرسمون غد !
لا يعلّقون في ذاكرتهم سوى صوتكِ هذا المُرتمي على مسمعي
ليقول لي : "فيه أمل" ، أقول لكِ : نعم ثمةُ أملٌ
و إن نُسينا . . فلن ينسنى ربُّ السماء
فلو تعلمين . . . ماذا تودّين أن تعلمين ؟!
أأقول كيف تمرُّ على عُشّاقنا السّنين ؟
أم تلك اللهفة في أعُينهم كيف أغرقها الحَنين ؟
شاب بنا الحُب يا سيدتي ..
فكتب وصيتهُ على غُصنِ اقحوانٍ و أهدى زهراتهُ لفتيات الحيّ ، منها ما هو لكِ ..
يوصيكِ على حكاياهُ الجميلة .. ألا تكفّي عنها الغناء
. . .
أطفأتُ المذياع ، سئمًا من ثرثرتي اللامُشوقةَ للإستماع
فقد نام الحبرُ في قلمي ، و ذاب البدرُ على ضباب نافدتي ..
حَدْسي بأن النّرجس قد حَكى لهُ قصةً غررتهُ للبُكاء ..
. . ♫